الجيش المصري انتشر بمختلف أنحاء البلاد بعد الثورة الشعبية لإسقاط مبارك (الأوروبية)


علقت الرئيسة السابقة لمكتب أسوشيتد برس بأفريقيا والرئيسة السابقة لمكتب واشنطن بوست بالشرق الأوسط على الثورتين الشعبيتين بكل من تونس ومصر والأحداث التي يشهدها اليمن، وقالت إيلين كنكماير في مقال نشرته لها مجلة فورين بوليسي الأميركية جاء فيه:

 

عندما بدأت قوات الأمن التونسية إطلاق النار على المتظاهرين في وقت مبكر من يناير/ كانون الثاني الماضي بمناطق مختلفة من البلاد, تدخل الجيش الذي لم ينصع لأوامر الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي والتي كانت تقضي باستخدام الذخيرة الحية إن لزم الأمر لوضع حد للمظاهرات.

وتحركت القوات التونسية إلى الشوارع ونشرت مروحيات لمنع القناصة من القوات شبه العسكرية الذين كانوا يطلقون النار على المتظاهرين من أعلى أسطح المنازل, وبعد ذلك قام رئيس أركان القوات المسلحة الجنرال رشيد عمار بحث الرئيس بن علي على التوجه إلى المنفى وهو ما أنقذ الشعب والثورة معا, ولعل الأروع من كل ذلك كله أنه رفض تسلم السلطة شخصيا.

 

وأخيرا حصل الشيء ذاته بالقاهرة حينما اندفعت حاملات الجند والدبابات إلى شوارع القاهرة لتنفيذ حظر التجول الذي أمر به الرئيس حسني مبارك, وربما كان المتظاهرون المصريون محظوظين جدا, فكثيرا ما كانت ردود فعل الجيوش الوطنية تقرر مصير الثورات الشعبية إما الموت أو الحياة, ولعل جيوش الدول الثلاث المصرية والتونسية واليمنية حيث الثورات الشعبية قامت بتحدي الأنظمة القائمة, لم يكن بإمكانها أن تتخذ موقفا آخر, وكان الجيش التونسي الصغير العدد والمحترف, استثناء من بين تلك الدول الثلاث, ليس بسبب النوعية ولكن بنأيه بنفسه وانفصاله عن نظام مستبد ومتقوقع.

 


القوات التونسية ليست كبعض القوات المسلحة المترهلة والمغرورة لدول شرق أوسطية أخرى, فالجنود التونسيين غير موالين للولايات المتحدة, غالبا ما ترفض المساعدات الخارجية وتسخر من مثل تلك المعاملة

الجيش التونسي
كان الجيش التونسي مختلفا وغير طبيعي بين نظرائه الإقليميين, وذلك قبل فترة طويلة من اندلاع الثورة الشعبية في شوارع تونس عام 2010 وذلك للأسباب التالية:

 

أولا: لأنها وعلى خلاف القوات المسلحة المترهلة والمغرورة لدول شرق أوسطية أخرى, فإن الجنود التونسيين غير موالين للولايات المتحدة, فهم غامضون بالنسبة للشعب التونسي ولحلفاء البلاد، كذلك, فالقوات المسلحة غالبا ما ترفض المساعدات الخارجية وتسخر من مثل تلك المعاملة.

وفي هذا السياق قال لي مسؤول أميركي بأن القوات التونسية ألغت نصف التدريبات أو المناورات التي كانت مقررة مع الولايات المتحدة عام 2011 لأنه وبصراحة لا يمكن للتونسيين أن يخسروا شيئا جراء ذلك, فالمساعدات العسكرية الأميركية تراجعت إلى 4.9 مليون دولار من المساعدات العسكرية الأميركية لهذا العام.

 

وهناك القوات المسلحة المصرية التي تحصل على مساعدات أكبر من المساعدات العسكرية الأميركية المخصصة لتونس بنحو 260 ضعفا وتصل إلى مبلغ 1.3 مليار دولار سنويا, والأموال معناها أن القوات المسلحة -في العديد من المناحي- هي من يحكم مصر كما يقول المحلل دانئيل برومبرغ من المعهد الأميركي للسلام, فمبارك نفسه كان قائدا سابقا لسلاح الجو والذي استخدم دولارات دافع الضرائب الأميركي ليس لدعم القوات المسلحة فحسب بل لدعم حكومته بأسرها, فالجنرالات المصريون هم من النخبة المستفيدة من الامتيازات وهم يقضون عطلهم الأسبوعية وفترة تقاعدهم في فيلات فخمة على الشواطئ، حيث يتنسمون فيها نسيم البحر وأوضحوا أنهم يتوقعون أن يكون لهم رأي ودور فيمن يحكم أكبر بلد عربي من حيث عدد السكان في حالة رحيل مبارك عن الساحة.

ويهيمن هاجس استمرار تدفق المساعدات الأميركية على سياسة مبارك الخارجية، حيث يتضح ذلك بالمقام الأول في هذا السياق بالسلام البارد مع إسرائيل بالمنطقة, بالإضافة إلى أن تدفق المساعدات العسكرية الأميركية التي تشكل هي والسياحة ورسوم قناة السويس المصادر الرئيسية للدخل والعائدات المصرية.

 

إطلاق النار
وعليه فما الذي ستفعله القوات المسلحة المصرية إن بدأت قوات الأمن في إطلاق النار على المتظاهرين الذين يضغطون لتحقيق أكبر المطالب الشعبية على الإطلاق من أجل وضع حد لحكم مبارك الذي استمر ثلاثة عقود؟ فقط هم القادة العسكريون من لديهم الإجابة, ولكن الواضح أن انضمام القوات المسلحة المصرية إلى الثورة الشعبية هو أبعد احتمالا من أي وقت كان كما حصل مؤخرا في تونس.

 

وربما يمكن للجيش المصري أن يتدخل في حال عمت الاضطرابات الشوارع المصرية وبدأ الشعب والشرطة في خوض اشتباك, سوف يتدخل العسكر -ولكن وكما قال لي الجنرال المصري المتقاعد محمد قادري سعيد على الهاتف من القاهرة قبل اندلاع أحداث الجمعة الدراماتيكية- ليس لحماية الشعب ولكن لحماية المباني, فالتعامل مع المواطنين هو مهمة وزير الداخلية كما قال لي سعيد “في حال تدهور الوضع, فإني اعتقد أن الجيش سيتدخل شأنه شأن أي جيش في أي بلد آخر, ليس لمساعدة المواطنين بالشوارع ولكن لتأمين الأماكن الحساسة مثل المكاتب الحكومية والمنشآت الأمنية”.

 

سبق أن صرح علنا العديد من المسؤولين والقادة العسكريين المصريين بأن الجيش سيتدخل إن اقتضت الحاجة لمنع المعارضة المحظورة قانونا من الإخوان المسلمين من تسلم الحكم في مصر, وقلل سعيد من دور الإسلاميين في مظاهرات البلاد وقال إن المتظاهرين في معظمهم أناس عاديون, واستطرد الجنرال المتقاعد يقول بأنه وفقا للدستور “فإن دور القوات المسلحة هو تأمين البلاد من أي مخاطر كانت داخلية أم خارجية, وأتصور أن القوات المسلحة المصرية ستستمر في القيام بهذا الدور”.

 

السؤال الوحيد الذي طرح نفسه يوم الجمعة الأخير هو كيف شخصت مصر الخطر على أمنها القومي وكيف كان الجيش مستعدا للتصدي له والحد من أثره؟


الجيش اليمني يحقق أرباحا من خدمته, ولا يمكنه توفير حماية جيدة جدا ضد الأخطار الحقيقية للبلاد، فتنظيم القاعدة بشبه الجزيرة العربية تمكن من قتل العشرات من المسؤولين اليمنيين دون أن يفلح الجيش اليمني في أسر أي من زعماء القاعدة

الجيش اليمني
ويأتي الجيش اليمني كحالة أخرى من بين تلك الحالات مجتمعة, فالقادة اليمنيون العسكريون معروفون بولعهم بالسلب والنهب وضعف الكفاءة، فالجنود والضباط يسارعون إلى بيع أسلحتهم وذخيرتهم في السوق السوداء بمجرد تسلمها, وبعض من القادة العسكريين اليمنيين يحصلون على ثروة كبيرة من المقاولين الأجانب نظير توفير الحماية لهم, ويزعم أنهم يدبرون أحيانا هجمات من أجل إقناع المقاولين بأنهم بحاجة إلى حماية كما قال لي محلل باليمن منذ أمد بعيد والذي تكلم دون الكشف عن هويته خشية انتقام الحكومة.

 

وعلى ضوء كون الجيش اليمني يحقق أرباحا من خدمته, فهو لا يمكنه توفير حماية جيدة جدا ضد الأخطار الحقيقية، فالفرع اليمني السعودي من القاعدة المعروف باسم تنظيم القاعدة بشبه الجزيرة العربية تمكن من قتل العشرات من المسؤولين اليمنيين وقوات الأمن من خلال هجمات الأشهر الأخيرة, ولم يعلن اليمن سوى عن أعداد قليلة من الإصابات التي تكبدها تنظيم القاعدة بشبه جزيرة العرب، وفي المقابل لم يفلح في أسر أي من زعماء القاعدة بشبه جزيرة العرب.

 

ويعتبر شعب اليمن من بين أكثر الشعوب تسليحا بالعالم, فغالبية أرباب البيوت يملكون سلاحا ناريا واحدا على الأقل, وعليه فإنه في حال تحولت المظاهرات اليمنية إلى العنف وامتدت إلى كافة قطاعات المجتمع وهو ما لم يحصل حتى الآن, فمن السهل مشاهدة ظروف يتمكن فيها الشعب من هزيمة قوات الرئيس علي عبد الله صالحالأمنية, وعلى المدى القصير على الأقل, وردا على ذلك فهناك فرصة جيدة لقوات مكافحة الإرهاب اليمنية -التي تعززت قوتها بفعل المساعدات الأميركية- لمحاربة القاعدة بشبه جزيرة العرب، كما يمكنها استخدام أسلحة زودتها بها أميركا في إطلاق النار على الشعب.

وكانت تسريبات ويكيليكس للبرقيات الأميركية قد أكدت بأن الحكومة تستخدم المساعدات العسكرية الأميركية ضد المتمردين اليمنيين بالشمال, وليس من المستبعد تحويل مثل تلك المساعدات من أجل حماية النظام في صنعاء، حيث قال المتظاهرون بكل من مصر وتونس إن قنابل الغاز المسيل للدموع التي أطلقت عليهم كان مكتوبا عليها العبارة “صنعت بالولايات المتحدة”.

 

وعلى ضوء حال وضع القوات المسلحة بالدول المجاورة, فإن القوات المسلحة التونسية تعتبر حالة شاذة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فهي قوات صغيرة العدد ولكنها منضبطة بدرجة قوية. وربما كان السبب تنظيميا بكل بساطة, فالرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وهو وزير داخلية سابق اتبع النمط الفرنسي في ترك مسافة بين كل من وزارة الداخلية والدفاع، وكذلك القوات المسلحة بعيدة عنه شخصيا، وهو نفس النظام الذي اتبعه نابليون للحيلولة دون قيام الجيش بانقلاب كما قال لي مسؤول عسكري.

 

ودفع بن علي بمجندي الخدمة العسكرية للعمل بمختلف أنحاء البلاد في مشاريع الأشغال العامة, ومن أجل إغاثة المنكوبين وغيرها من الأعمال الخيرية، وبقي بعيدا عن المشاكل، واحتفظ بجيش ضعيف, فقوام الجيش التونسي 27 ألفا، وأما البحرية فلا تمتلك سفن الإبحار بالمياه العميقة، ويقول بعض المحللين إن سلاح الجو لا يملك سوى 12 مروحية، وحتى الجنرال عمار كان وما زال شخصية وطنية مغمورة.


الحكومات العربية الأخرى عليها استخلاص العبرة مما حصل بتونس, وربما يلجأ البعض إلى زيادة حقوق مواطنيهم, بينما سيلجأ البعض لزيادة سلطة قواتهم المسلحة

ومع بقاء الجيش التونسي بعيدا عن الأضواء حتى الآن، فإن الشعب التونسي لا توجد لديه أي أفكار أو تصوّر عن القوات المسلحة وكما قال لي مدير برنامج كوابيكي للتحول الديمقراطي بتونس أمين غالي “إن أول عمل قاموا به كان إيجابيا جدا, مشيرا بذلك إلى دورهم في الثورة الشعبية التونسية”, وقال ” لقد حظوا بتعاطف الشعب”.

 

استخلاص العبرة
وما زال على الحكومات العربية الأخرى استخلاص العبرة مما حصل بتونس, وربما يلجأ البعض إلى زيادة حقوق مواطنيهم, بينما سيلجأ البعض لزيادة سلطة قواتهم المسلحة, فالزعماء بكل من مصر وعبر أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وعدوا مؤخرا بإصلاحات سياسية واقتصادية وتعهدوا بالإصغاء بشكل أكبر إلى شعوبهم ومواطنيهم، وذلك ينطبق على مصر التي أنكرت على مواطنيها حق التظاهر وقطعت اتصالات الإنترنت وشبكات الهاتف النقال الجمعة الماضية وفرضت نظام حظر التجول، كل ذلك في مسعى محموم لإبعاد المتظاهرين عن الشوارع.

 

ورغم الضغط المتزايد من شعوبهم, فإن من الصعب على الديكتاتوريين العرب التخلي عن إدمانهم على الحكم العسكري -كما حدثتني كريستينا كوش الباحثة بالمؤسسة البحثية (فرايد) التي تتخذ من إسبانيا مقرا لها والتي عملت هنا بتونس منذ 2004 “في الأنظمة العربية المستبدة الأخرى هناك تعايش وتناغم بين النظام والجيش وهم لا يريدون استخلاص العبرة من تونس, فبالنسبة للأنظمة الأخرى فإن خدمة وإسعاد القوات المسلحة باتت ركنا رئيسيا يعتمدون عليه من أجل البقاء في السلطة”